Sunday, November 24, 2019

التنقل من مهمة لأخرى، كما كان أينشتاين يستعين بالموسيقى لحل

واستعرض أحمد الخصائص والسمات التي تسمح لهؤلاء الموهوبين بأن يبرعوا في مجالات عديدة. وكان في مقدمتها بالطبع مستوى ذكاء أعلى من المتوسط، الذي يساعدهم في التعلم والتحصيل. ويقول أحمد إن رحابة الأفق والفضول ليسا أقل أهمية من الذكاء، لأن الاهتمام بالظاهرة سيدفعك للبحث والاستقصاء عنها إلى أبعد الحدود، حتى لو تعمقت في مجال لا تعرف عنه شيئا.
ويتصف العالم واسع الاطلاع بأنه مستقل ولا يعول على أحد، ولا يجد غضاضة في أن يعلم نفسه بنفسه، وتدفعه رغبة جارفة لتحقيق ذاته.
ويقول أحمد إن هذا الشخص واسع الاطلاع لا يكتفي بالتبحر في مجالات ومعارف متعددة، بل يبحث أيضا عن سبل لربط هذه المجالات ببعضها لفهم كل منها بطريقته الخاصة.
وكشأن جميع الخصال الشخصية، فإن هذه الخصائص لها جذور وراثية، لكن البيئة تلعب دورا في تشكيلها. ويشير أحمد إلى أن الكثير من الأطفال يهتمون بمجالات عديدة، لكن المدارس والجامعات والوظيفة كلها تدفعنا إلى التخصص في مجال واحد. وقد يكون هناك الكثير من الموهوبين الذين يمكنهم أن يبرعوا في مجالات عديدة إذا وجدوا من يشجعهم على خوض غمارها.
وأجرت أنجيلا كوتيلسا، الحاصلة على دكتورا
والدليل على ذلك أن أنتايل ولامار استمدا فكرة الجهاز المضاد للتشويش على الإشارات من آلية البيانولا، أو البيانو ذاتي العزف الذي كان يتدرب عليه أنتايل.
وقد لاحظ أحمد ذلك من مطالعة السير الذاتية للأشخاص الذي اشتهروا بسعة الاطلاع على المعارف المختلفة، مثل ليوناردو دافينشي، الذي ساعدته خبرته بالتشريح والرياضيات والهندسة في إتقان رسوماته، كما أثرى خياله البصري الخصب قدراته الإبداعية في الهندسة الميكانيكية.
إذا أردت أن توسع أفقك المعرفي والثقافي ينصح أحمد باستثمار الوقت بكفاءة لتتيح لنفسك الفرصة لمتابعة اهتماماتك المتعددة.
وأثبتت دراسات عديدة أن التركيز على موضوع أو مهمة معقدة واحدة يجهد العقل حتى يصل إلى نقطة التشبع التي ينخفض بعدها النشاط الذهني ويفتر الانتباه ومن ثم يذهب أي مجهود إضافي تضعه في هذه المهمة سدى. لكن إذا انشغلت بنشاط آخر لا يمت بصله للمهمة الأساسية، قد تستعيد تركيزك ونشاطك. لأن التنقل بين المهام المختلفة يسهم في تحفيز الأداء والإنتاجية.
وأيدت ذلك أبحاث أجريت على الطلاب في الجامعات والمدارس الرياضية والموسيقية، إذ أثبتت أن الطلاب يعجزون عن الاستيعاب بعد قضاء فترة معينة في التدرب أو الدراسة.
وينصح أحمد بالتوقف عن العمل في المهمة أو النشاط عند نقطة معينة، ومزاولة نشاط غيره لكي تعود إلى المهمة الأولى بذهن صاف. ويقول: "لولا أنني لدي اهتمامات أخرى غير الرسم، لما حققت هذا النجاح، لأن المردود ينخفض كلما طال الوقت الذي تقضيه في مهمة واحدة."
وتبنى ألبرت أينشتاين هذه الطريقة. فبالإضافة إلى أنه عالم فيزياء فذ، كان أيضا عازف بيانو وكمان بارع. ويحكي ابنه وابنته أنه عندما كان يواجه معضلة رياضية عصية على الحل، كان يعزف الموسيقى وكثيرا ما كان الحل يقفز إلى ذهنه بعد الانتهاء من العزف. وهذه الطريقة أفضل من إهدار الساعات في محاولات التوصل إلى حلول للمشاكل الرياضية والفيزيائية دون جدوى.
كل هذه الأدلة تثبت أن القدرة على التعمق في مجالات متعددة ليست حكرا على نخبة من الناس كما كنا نظن، وثمة فوائد عديدة لتوسيع دائرة اهتماماتنا بدلا من الاكتفاء بتخصص واحد دون غيره.
وقد فتح لنا الإنترنت أفاقا جديدة للمطالعة والتثقيف، فبإمكاننا الانضمام إلى الدروات المجانية عبر الإنترنت في تخصصات مختلفة، وأصبح من السهل التتلمذ على يد معلم يبعد عنك آلاف الأميال عبر تطبيقات مثل "سكايب".
ويشجع أحمد على استغلال هذه الفرص للتعلم، ويقول إن التحديات الملحة التي يواجهها المجتمع الآن مثل تغير المناخ تتطلب حلولا خلاقة عابرة للتخصصات.
ويقول أحمد إن الكثير من الناس يربطون المثقفين الموسوعيين بعصر النهضة، رغم أننا نحتاجهم الآن أكثر من أي وقت مضى.
وقد يكون من الأفضل أن نستغل الوقت بالانتقال من حين لآخر من مهمة لأخرى. وينطبق الأمر نفسه على حل المسائل، فقد تتوصل إلى عدد أكبر من الحلول للمسألة إذا تركتها ثم عدت إليها بعد الانخراط في مهمة أخرى أو نشاط آخر لا يمت لها بصلة.
ة من جامعة جورج واشنطن، أبحاثا تضمنت لقاءات مع أشخاص تعمقوا في دراسة مجالات متعددة، واشرطت أن يكون المشاركون قد حققوا نجاحا ملموسا في مجالين مستقلين على الأقل، أحدهما فني والآخر علمي.
ولاحظت أن السمة الغالبة على هؤلاء المبدعين هي الفضول، بالإضافة إلى الإصرار الذي يدفعهم لإشباع شغفهم بالمعرفة والتعلم، دون اكتراث بم
ثمة أسباب معقولة قد تمنعنا عن التعمق في مجالات متعددة، منها الخوف من تشتيت الموارد والطاقات بدلا من تركيزها في مجال واحد، وهذا يقودنا للفشل في كل المجالات، أو كما يقال: "صاحب الصنائع السبع لا يتقن أيا منها".
لكن في الحقيقة، ثمة أدلة تؤكد أن التعمق في تخصصات ومعارف متعددة يشعل شرارة الإبداع والقدرة على الإنتاج، أي أن تنوع الاهتمامات قد يعزز نجاحك في مجالك الرئيسي.
وذكر ديفيد إيبستاين في كتابه الأخير أن أكثر العلماء المؤثرين لديهم اهتمامات متعددة خارج مجالهم البحثي. وكشفت دراسات عن أن العلماء الحاصلين على جوائز نوبل يميلون أكثر من غيرهم إلى ممارسة الرقص والغناء والتمثيل والرسم وكتابة الشعر وحتى العزف على الآلات الموسيقية.
ويقول أحمد إن التعمق في مجالات عديدة يعد بمثابة تلاقح علمي، فيستقي المرء ابتكاراته في أحد المجالات من الأفكار المستمدة من الآخر.
عايير وتوقعات المجتمع التي توجههم نحو التخصص في مجال واحد.

Monday, November 4, 2019

كيف تتعرف على الحالة المزاجية لقطّتك من خلال إشاراتها؟

تبدو الكلاب عاجزة من الناحية البيولوجية عن إخفاء حالاتها المزاجية، فسيرها بتثاقل أو هزها لذيولها أو إصدارها لأصوات من أنوفها، تشكل علامات على شعورها بالرضا أو العصبية أو السعادة الهائلة. لذا، فبمقدورنا أن نفهم - وبسهولة - المؤشرات الدالة على طبيعة ما يشعر به الكلاب.
للقطط كذلك لغة جسد متطورة ومعقدة، فهي تعبر عن حالتها المزاجية من خلال تحريكها لذيلها بقوة، أو تجعيدها لفرائها، أو اختيارها لوضع ما لآذانها وشواربها. وإذا ما أصدرت صوت قرقرة، فإن ذلك يشكل - عادة وليس دائما - مؤشرا على الود والصداقة والرضا.
وتمثل هذه طريقة موثوقا بها، للتعرف على ما إذا كانت الهرة في مزاج ودود، أم يجدر بنا تركها وشأنها.
اللافت أنه بينما يمكن لنا التيقن من وجود أواصر صداقة بيننا وبين الكلاب، وبالرغم من أن القطط المستأنسة منحتنا رفقتها منذ آلاف السنين، فلا تزال القطط تعاني من أن لديها صورة ذهنية سلبية بعض الشيء، في أذهان البعض. فالاستقلالية التي يراها الكثيرون ميزة، يُنظر إليها من قبل آخرين، على أنها تحفظ أو أنانية. كما أن كارهي القطط يزعمون أنها لا تُظهر المودة، إلا عندما تكون تتضور جوعا.
في المقابل، يقول أصحاب هذه الحيوانات إن ما يوجه إليها من انتقادات، ليس إلا هراء وأن روابط الصداقة القائمة بينهم وبين قططهم لا تقل قوتها، عن تلك الممتدة بين الكلاب وأصحابها. لذا ربما يتعين علينا أن نتساءل عن السبب الذي يجعلنا نرسم صورة للقط كحيوان متحفظ وغير ودود ومحب للعزلة؟ وهل هناك أي صحة لذلك الاعتقاد؟
في البداية يمكن القول إن من الأمور الإيجابية حقيقة أن صورة القط "المستقل" هذه، لم تلحق ضررا يُذكر بشعبية القطط كحيوان أليف. فمن المعتقد أن هناك قرابة 10 ملايين قطة منزلية في المملكة المتحدة وحدها. ويُعتقد كذلك أن نحو 25 في المئة من الأسر لديها قط واحد على الأقل، بحسب دراسة أُجريت في هذا الصدد عام 2012.
وربما ترجع الصورة الذهنية السلبية السائدة لدى البعض عن القطط، إلى الطريقة التي تم استئناسها بها من الأصل. فالأمر جرى على نحو تدريجي بشكل أكبر بكثير مما حدث مع الكلاب، بل وكانت القطط تمسك كذلك فيه بزمام القيادة، على نحو كبير للغاية أيضا.
فأولى القطط المستأنسة بدأت في الظهور في قرى بمنطقة الشرق الأوسط خلال العصر الحجري الحديث، قبل نحو 10 آلاف عام. ولم تعتمد على مُضيفيها من البشر في هذا الزمن البعيد، لكي يوفروا لها الطعام، بل حُضَتْ على الحصول عليه بنفسها وعلى حماية المحاصيل ومخازن الغذاء من الفئران وغيرها من الكائنات الضارة الأخرى.
لكن منذ البداية، كانت علاقتنا مع القطط أقل حميمية وودا من صلاتنا بالكلاب، تلك الحيوانات التي ساعدتنا في الصيد واعتمدت علينا في المقابل للحصول على حصتها من الغنائم. بجانب ذلك، ربما تحتفظ القطة، التي تتربع الآن على أريكتك أو تحدق فيك بعينيها المتوهجتين وهي تقبع فوق خزانة الكتب، بالكثير من الغرائز التي كانت لدى أسلافها في عصر ما قبل استئناس الهررة، من قبيل الرغبة في القنص أو القيام بدوريات في الأراضي المحيطة بها لحمايتها من دخول قطط أخرى إليها، وهو ما يجعل تلك الحيوانات، أقرب إلى طباع الأسلاف أكثر مما هو قائم بين الكلاب. ويعني ذلك أن استئناسنا للقطط لم يبعدها عن البرية إلا جزئيا.
وتقول الطبيبة البيطرية كارِن هيستاند، وهي مسؤولة كذلك في إحدى الجمعيات الخيرية الدولية المعنية بالقطط، إن الأمر يرجع في الجانب الأكبر منه إلى "سوء فهم من جانب الإنسان لطبيعة هذا النوع من الكائنات. فثمة تشابه كبير بين الكلاب والبشر، وقد عاش النوعان جنبا إلى جنب لفترة طويلة. وكان هناك تطور مشترك لهما، بطريقة ما. أما القطط، فقد حدث ذلك معها في وقت متأخر عن ذلك كثيرا، باعتبار أنها تنحدر من سلف منعزل منطوٍ لا يمثل نوعا إحيائيا اجتماعيا".
فالقط البري الأفريقي، الذي تنحدر قططنا المنزلية المستأنسة منه، يميل للعيش في عزلة، ولا تتلاقى الهررة المنتمية لنوعه إلا للتزاوج في غالب الأحيان.
وتقول هيستاند في هذا الشأن: "القط هو الحيوان الوحيد ذو الطبيعة الانعزالية، الذي استأنسناه. فكل الحيوانات الأخرى التي قمنا بتدجينها، كانت الروابط الاجتماعية تسود داخل قطعانها".
وفي ضوء ميل القطط للعيش في عزلة عن الحيوانات الأخرى التي تحيط بنا، فلا عجب في أننا قد نسيء فهم الإشارات الصادرة منها. وتقول هيستاند: "تزداد شعبية الهررة، نظرا لأنها تحظى بالاستقلالية الشديدة، وتستطيع الاعتناء بنفسها. لكن ذلك لا يرتبط بما إذا كانت طبيعة حياتنا تناسبها أم لا. فالبشر يتوقعون أن تكون القطط شبيهة لهم وللكلاب. وهي ليست كذلك".
وفي الآونة الأخيرة، تسارعت وتيرة إجراء دراسات تتناول الانفعالات التي تعتري القطط ومسألة مدى إقبالها على الاختلاط بالآخرين، وذلك بعدما ظلت لا تحظى باهتمام الباحثين - لسنوات طويلة - مقارنة بالكلاب.
ومع أن غالبية هذه الدراسات لا تزال في مراحلها الأولية، فإنها أظهرت بالفعل أن ميل القطط للاختلاط مع البشر، هو أمر معقد وتتداخل فيه عوامل متعددة.
وهنا تقول هيستاند: "إنه لأمر قابل للتغير بشدة، يرتبط بعلم الوراثة. كما أن الجانب المتعلق بالميل للاختلاط بالآخرين، ربما ينبع مما تمر به القطط في الأسابيع الستة أو الثمانية الأولى لها بعد الولادة. فإذا كانت تجاربها في هذه المرحلة المبكرة من حياتها إيجابية؛ فغالبا ستنشأ على الميل للبشر، وسترغب في أن تقضي وقتها معهم".
من جهة أخرى، لا تقل مسألة استئناس القطط تعقيدا. فالقطط الضالة غالبا ما تختبئ من البشر أو تفر منهم، ماضيةً على درب أسلافها، التي كانت تعيش في البرية. وفي مناطق مثل الشرق الأوسط ودول كاليابان، تشهد قرى الصيد تزايد أعداد مجموعات من "القطط التي تهيم على وجهها بلا صاحب في المناطق المأهولة بالسكان".
وتتسم هذه الهررة بالود بقدر كاف لجعلها تتملق السكان الذين يوفرون لها الطعام. وفي مدينة إسطنبول على سبيل المثال، يُطعم السكان القطط الضالة ويعتنون بها. كما أصبحت هذه الحيوانات جزءا من هوية المدينة، ما أدى إلى إنتاج فيلم وثائقي عنها.
هذا التعقيد يشمل حتى الحيوانات التي تعيش معنا. فبعضها يُبقي على مسافة نسبية بينها وبين أصحابها، بينما يسعد البعض الآخر بالرفقة البشرية. إذا، فما الذي يتوجب علينا الاهتمام به والالتفات إليه، إذا كنا راغبين في إقامة صلات ودية قوية مع القطط؟
في البداية، يمكن القول إن القطط - مثلها مثل الكلاب - تعتمد في القدر الأكبر من عمليات التواصل بينها وبين الآخرين، على حركات جسدها لا الأصوات الصادرة عنها. وتقول كريستين فيتالي، الباحثة الحاصلة على درجة الدكتوراه والتي تدرس سلوك القطط: "أعتقد أنه من الأصعب على البشر قراءة لغة الجسد الخاصة بالهررة، مقارنة بما يحدث مع الكلاب" وهو ليس خطأ القطط بالضرورة.
لكن هناك سمة رئيسية أخرى، ربما جعلت بوسع الكلاب أن تكون أقرب إلى قلوبنا من القطط، وهي تلك التي كشفت عنها النقاب دراسة أُجريت في جامعة بورتسموث البريطانية. فالدراسة أظهرت أن الكلاب تعلمت محاكاة التعبيرات التي يُظهرها الرضع، ما يثير لدى أصحابها من البشر الرغبة في رعايتها والاعتناء بها. ويبدو أن تلك المقدرة تعود لتطور عضلة تستطيع من خلالها الكلاب رفع الحاجبيْن الداخلييْن لعينيْها، وهو ما لم يكن موجودا لدى أسلافها من الذئاب.
وهكذا فإن ما يقال عن أن النظرة التي نراها في عيون الكلاب تعكس براءة حقيقية أو ساذجة، ليس مجرد تشبيه نمطي، وإنما يمثل ما يمكن أن نصفه بـ "أمر بارع مرتبط بعلم التطور"، أدى إلى تعزيز الروابط والأواصر القائمة بين البشر والكلاب.